Home

مطاوع بركات يكتب : وائل الإبراشي.. كما عرفته

مطاوع بركات

No description available.

عرفت وائل الإبراشي بشخصيته الممزوجة بخليط من الرضا والبراءة، وخفة دم محملة بالذكاء الحاد.

رحلتي معه بدأت نهاية عام 98 عندما كنت صحفيا صغيرا مكافحا بجريدة الميدان وهو كان اسما لامعا في مجلة روزاليوسف، والكثير من الزملاء وأنا أحدهم شغوفون بمتابعة المجلة أسبوعيا وتحديدا خبطات الإبراشي الصحفية، وأسعدني الحظ بمشاركته في إعداد أحد البرامج بقناة فضائية عربية.

زمالتنا المهنية هذه سرعان ما ارتقت إلى الصداقة، وشرفت برئاسة تحرير برنامجه الأول “الحقيقة” بقناة دريم وكان من أهم انجازاته مناقشة قضية العبارة المنكوبة التي راح ضحيتها قرابة 1400 شخص، وكانت العبارة تعود ملكيتها لرجل الأعمال ممدوح إسماعيل والذي حاول بكل السبل الضغط على الدكتور أحمد بهجت رحمه الله لإيقاف البرنامج وحينما فشل هدد الإبراشي وتوعده بالملاحقة وجرجرته إلى المحاكم، ومع ذلك ظل ثابتا بلا كلل أو ملل ولم يتسرب إليه الخوف لحظة، واستمرت صولات وائل وجولاته ومعاركه بفتح ملفات الفساد وهموم المجتمع بينما خصومه من الفاسدين والمفسدين يسقطون واحدا تلو الأخر.

أتذكر كلماته حينما تولى رئاسة تحرير جريدة صوت الأمة عام 2005 وكنت مساعدا له: “مهمتنا يا مطاوع هي الانحياز للناس وليس السلطة.. مديح ونفاق السلطة يقتل الصحفي ويضر المجتمع وده معناه أن تجربتنا الصحفية سيكون مصيرها الفشل”.. رنين هذه الكلمات ما زال عالقا في ذهني رغم مرور سبعة عشر عاما.

الإبراشي كان يؤمن أن مهمة الصحفي هي القفز فوق الأسلاك الشائكة والملغمة بمرونة ورشاقة وقلب شجاع بحثا عن الحقيقة معتبرا أن خوف الصحفي من الاقتحام والبحث عن الحقيقة قد يرقى إلى الفشل.

كان يؤمن أن مقياس النجاح الصحفي هو الولاء للناس بهدف الإصلاح من خلال النقد البناء. الإبراشي رحمه الله أضاء أعمدة الإنارة في شارع الصحافة للقارئ على صفحات مجلة روزاليوسف وجريدة صوت الأمة كاشفا بالمستندات والوثائق مسؤولين كبار، ووجه ضربات موجعة وقاسية لمن تلوثت أيديهم بإهدار المال العام، ومن استغل موارد الدولة المالية والبشرية لخدمة مصالحه الشخصية، الإبراشي لم يهب السلطة وخاض معارك ضد تمديدها وتوريثها في عهد مبارك وفتح ملفات الفساد والتعذيب في أقسام الشرطة.

مقالاته وحلقاته التليفزيونية كانت راجمة صواريخ تهز كراسي المسؤولين الملتصقين بكرسي السلطة.. عاش حياته صحفيا حقيقيا غيورا على المهنة معتبرا أن ثقة القارئ هي الدرع الواقي الذي يحمي من لكمات وركلات الخصوم.

عرفه القارئ بتحقيقاته ومقالاته الصحفية وحلقاته التلفزيونية التي ساهمت في إسقاط مسؤولين كبار وأباطرة الفساد من رجال أعمال بالحزب الوطني أيام مبارك، ووصلت عدد الدعاوى القضائية ضده قرابة السبعين خلال فترة توليه رئاسة تحرير جريدة صوت الأمة. ضربات يائسة كان الهدف منها ترهيبه وإخضاعه.

وائل الإبراشي كان يقوم بدور الرقيب على نفسه قبل أن يكون الغير رقيبا عليه. من عرفه عن قرب لمس امتلاكه لخليط نادر من دماسة الخلق وخفة الظل وعبقرية في رسم الكلمات وترتيب العبارات، يصوب بطلقات الحبر نيران كلماته فكانت دوما تصيب ولا تخيب.

الإبراشي كان مؤمنا بحرية الرأي والتعبير وأن الأفكار يرد عليها بالأفكار، وبضرورة فتح القضايا الشائكة والملغمة بلا مواربة أو تعتيم، وطالب المسؤولين بالمصارحة والمكاشفة منتقدا إياهم احتكار المعلومات بذريعة الخوف من إثارة الرأي العام.

الإبراشي كان مع الأفكار التنويرية وضد الفتاوى الظلامية التي تؤدي لانغلاق المجتمع، وائل لم يبدل أفكاره المعلنة كما يبدل ملابسه مثلما اعتاد البعض، كان يملك شجاعة الاعتذار عن أخطائه، وخليطا من الرضا والبراءة وشقاوة الأطفال ودماثة الخلق.

الإعلامي وائل الإبراشي رحمه الله كان منحازا للناس وصحفيا شريفا وشجعا ونقيا ومخلصا لوطنه، وظل مناصرا للخط الوطني للدولة المصرية.

وداعا وائل وإلى لقاء قريب، لن أنسى ما حييت لازمتك الشهيرة “ضيعتنا يا فنان”.

May be an image of 4 people and textMay be an image of 3 people and text

May be an image of 3 people and text

Show More
Back to top button
error: Content is Protected :)