Home

قوانين وتشريعات واتفاقيات النقل البحرى

ورقة بحثية ترصد المعاهدات الدولية التى تنظم قوانين النقل البحري

د . مصطفى فؤاد سالم

رئيس اتحاد الحقوقيين العرب

تهتم هذه الورقة البحثية بالمعاهدات الدولية البحرية التى تنظم كل ما يتعلق  بالتجارة البحرية وقوانين النقل البحرى بين الدول والعلاقات بين الناقل والشاحن وسلامة السفينة والحفاظ على البيئة وفى هذا السياق تم إبرام كثير من المعاهدات الدولية فى العصور الحديثة ، إلا أنه ومع ذلك فإن ثمة معاهدتين هامتين تنظمان عقود النقل البحرى ويعتبران حجر الأساس الذى بنيت عليه كثير من المعاهدات الدولية اللاحقة لهما وهاتين المعاهدتين هما معاهدة بروكسل لتوحيد سندات الشحن البحرى عام 1924 ، ومعاهدة الأمم المتحدة لنقل البضائع بحرا 1987 والمعروفة بمعاهدة هامبورج .

وفى إطار بيان أهم المعالم القانونية لتلك الاتفاقيتين والدور التاريخى لكل منهما والظروف التى أدت إلى توقيعهما فإن الفهم الصحيح لذلك يستوجب أن نعرض بإيجاز أهم النقاط والمحطات الاساسية فى تطور قوانين التجارة البحرية حتى العصر الحديث وبصفة عامة  يعد قانون النقل البحرى من أقدم القوانين التى عرفتها البشرية منذ العصور القديمة فالدارس لتاريخ القانون سوف يجد أن الحضارات القديمة مثل السومرية فى العراق والحضارة المصرية القديمة والفينيقيين والإغريق قد كانت لديهم قواعد شبه ثابتة ومتعارف عليها تحكم أصول التجارة البحرية ، وهذه القواعد تعتبر أساس وأصل تشكيل قوانين التجارة البحرية .

إلا أن هذه القواعد القديمة لم تأخذ الشكل المكتوب كالقوانين التى نعرفها اليوم وإنما أخذت شكل القواعد العرفية التى يلتزم بها الجميع وكانت تطبق فى كل الموانئ البحرية قديما وعلى الرغم من وجود بعض النصوص الفينيقية فى بعض الموانئ الخاصة بهم إلا أنها اندثرت ولم يحتفظ بها التاريخ .

ومن أهم القواعد التى أفرزتها العصور القديمة القانون الذى يعرف بطرح البحر والذى يتمثل فى حق قبطان السفينة فى التخلص من بعض الحمولات إذا تعرضت السفينة للخطر وتوزع قيمة خسارة البضائع بالتساوى على جميع أصحاب البضائع وهو ما يعرف حالياً بقواعد الخسارة المشتركة فى العصر الحديث والتى نظمتها إتفاقية تعرف باتفاقية  يورك للخسارة المشتركة ولا تزال هذه الاتفاقية عرفية وتجدد كل عشر سنوات وغير ملزمة إلا إذا اتفق عليها الأطراف فى سندات الشحن .

ومن ضمن هذه القواعد أيضا التى تعتبر أصل التأمين البحرى فى العصر الحديث والقواعد المتعلقة بالقرض البحرى والنظم الخاصة بهذا القرض حيث أن الرحلة البحرية دائما تحتاج إلى تمويل ، وقد لعب الفقهاء المسلمون دورا كبيرا فى تقنين قواعد القرض البحرى وتطويرها بشكل متوازن يحقق مصلحة جميع أطراف هذا القرض .

وفى العصور الوسطى تطور القانون البحرى وبدأ يأخذ شكل القوانين المكتوبة فى الموانئ الهامة حيث أصدر الحكام والملوك فى العصور الوسطى قوانينا تنظم التجارة البحرية التابعة لممالكهم ومن أشهر القوانين التى ظهرت فى تلك الفترة هو ما يعرف بقوانين أوليرون فى فرنسا وقوانين برشلونة فى أسبانيا ، وقوانين أخرى طبقت فى بحر البلطيق.

وثمة حدث جلل لعب دورا كبيرا فى تطوير القانون البحرى وخلق المعاهدات الدولية على النحو الذى نعرفه الآن ألا وهو تفجر الثورة الصناعية فى بريطانيا فى منتصف القرن الثامن عشر ودخول الميكنة إلى المصانع بعد ظهور الطاقة البخارية التى اكتشفها جيمس وات فى اسكتلندا ، وقد انتقلت هذه الثورة الصناعية وانتشرت فى كل أنحاء أوروبا الأمر الذى انعكس على حركة النقل البحرى حيث زادت وتطورت عمليات التصنيع والبضائع المصنعة وخطوط الانتاج الأمر الذى أدى إلى تضاعف الانتاج ونشأة الحاجة إلى استيراد المواد الخام من وراء البحر من أفريقيا وآسيا ، وكذا التصدير إلى تلك الدول وزادت الحاجة إلى السفن التى تعمل فى النقل البحرى وتطورت صناعتها لتواكب هذه الثورة الصناعية وكان على القانون أن يطور من نفسه هو أيضا ليتواكب عقد النقل البحرى القديم مع التطورات الحديثة ، ونعنى هنا بصفة خاصة أن عقد النقل البحرى وخلال فترات طويلة إلى ما قبل القرن العشرين كان يعكس فقط مصالح النقل البحرى وصاحب السفينة ويتميز بشرط الاعفاء المطلق للناقل ومالك السفينة والبحارة والقبطان من أى مسئولية أو ضرر تتعرض له البضاعة أثناء الرحلة ، مما أدى إلى ظهور الكثير من المشكلات وبدأ التجار يتضررون من الشروط التى يضعها الناقلون البحريون وتعفيهم من المسئولية حال وقوع أى حادث . الأمر الذى أدى إلى البحث عن مخرج  يتفق عليه الجميع ويحقق توازن المصالح .

وبدخول الولايات المتحدة  الأمريكية كلاعب أساسى فى ميزان التجارة البحرية بعد أن حصلت على استقلالها وتوحدت عام 1975بدأ تأثير الدولة الجديدة على تطوير قوانين التجارة البحرية حيث ظهر ما يعرف بقانون Harter فى الولايات المتحدة وهو أسم الوزير الذى وضع شروطا طبقت فى الموانئ الأمريكية مقتضاها عدم نفاذ الشروط التى تعفى النقل البحرى من المسئولية وتنظيم حدود مسئوليات الناقل والتجار والشاحن ، وبدأت المحاكم الأمريكية تصدر أحكاما  تنفيذا لهذا القانون الذى أعاد صياغة عقود النقل البحرى ، وانتقلت عدوى قانون هارتر هذا إلى باقى الدول البحرية وبدأت محاكمها تصدر أحكاما لصالح التجار والشاحنين لتنهى أسطورة الاعفاء الطلق للناقل البحرى والتابعين له ،  وتطور الأمر إلى حدوث اجتماع بين الدول البحرية الكبرىفى لاهاى بهولندا عام 1921  من أجل إعداة صياغة عقد النقل البحرى أو ما يطلق عليه سند الشحن، وتوصلوا إلى اتفاق بشأن  سند شحن نموذجى يلتزم به الشاحنون والناقلون من كل دول العالم إلا أنه لم يتم وضعه موضع التطبيق لأنه كان اختياريا وأحجمت بعض شركات النقل الكبرى مالكة السفن عن تبنى هذا السند النموذجى مجاملة لأصحاب السفن الأمر الذى أدى إلى حدوث تناقضات فى حالات متشابهة وبالتالى فقد ظهرت الحاجة إلى وضع معاهدة ملزمة لتوحيد سندات الشحن واجتمعت الدول البحرية المهتمة بهذا الموضوع فى بروكسل عام 1924 وتوصلوا إلى ما يعرف بمعاهدة بروكس .

وأهم معالم ونصوص هذه الاتفاقية ومزاياها سوف نقدمها بالتفصيل عند عرض هذه الورقة البحثية للنشر .

والواقع أن أى قانون أو اتفاقية لا تظهر له عيوبه إلا عند التطبيق وهذا ما حدث مع اتفاقية بروكسل حيث ظهرت لها العديد من العيوب التى تم انتقاضها وبالتالى ظهرت الحاجة إلى وضع اتفاقية جديدة تتلافى هذه العيوب وفى هذا الخصوص اجتمعت لجنة القانون الدولى فى الأمم المتحدة لعدة سنوات لوضع مشروع اتفاقية جديدة تتفق مع التطور التكنولوجى الذى حدث فى السفن ونقل البضائع فيما بين عامي 1924 ، و1978 ، وقد انتهت هذه اللجنة من صياغة مشروع حظى بموافقة عدد كبير من الدول وتم اجتماعها فى هامبورج بألمانيا عام 1978 وتم تبنى ما يعرف باتفاقية الأمم المتحدة لنقل البضائع بحرا وقد تم  الاتفاق على فترة انتقالية تدخل بعدها هذه الاتفاقية حيز التنفيذ فى عام 1992 حتى يتم تبنيها وإدراجها فى القوانين الداخلية لكل دولة تجنبا لحدوث تناقض بين الدول التى لا زالت تطبق أحكام بروكسل ولم تنضم إلى هامبورج 1978 وقد أصبحت هذه الاتفاقية الآن فى أغلب القوانين الداخلية لدول العالم وأصبحت جزء من القانون الداخلى لكل دولة تلتزم بها المحاكم فى كل القضايا المتعلقة بالتجارة البحرية التى تعرض على هذه المحاكم وبصفة خاصة التعويضات التى تدفع للشاحنين والتجار عن الأضرار التى تلحق ببضائعهم والتى تم زيادتها وإعادة طريق حسابها بشكل يرضى المتضررين .

وعن أهم أحكام هذه الاتفاقية ونصونصها والفرق بينها وبين اتفاقية بروكسل 1924 سوف نعرض ذلك تفصيلا أثناء إلقاء البحث ونقدم ملحقا يتضمن ذلك عند النشر .

وفى ختام هذه الورقة البحثية قد يكون جديرا بالتنويه أن نشير إلى أن القانون البحرى وقانون التجارة البحرية لا يشتمل فقط على تنظيم العلاقة بين الناقل والشاحن والعقد المبرم بينهم وإنما ينظم ويتناول أيضا موضوعات أخرى كثيرة مثل الاتفاقيات المتعلقة بالتأمين البحرى وصلاحية وسلامة السفن والرخص التى تعطى لقباطنة السفن وطواقمها الإدارية وتحديد درجاتهم والتعويضات عن الأضرار البيئية التى تحدثها السفن أثناء السير فى البحر مثل سفن نقل البترول والاتفاقيات الحديثة التى بدأت تنظم ما يعرف بالنقل متعدد الوسائط ، كما تنظم اتفاقيات الخسارة المشتركة الحوادث البحرية وكيفية التعويض عنها من كل الأطراف ، كما توجد منظمات دولية مثل منظمة الإيمو تهتم بالسلامة البحرية ، كما توجد جامعات متخصصة تعطى درجات علمية كالماجستير لمن يعمل خبيرا بحريا فى تحديد خسائر السفن .

Show More
Back to top button
error: Content is Protected :)