HomeLittle Politics

مجدى صادق يكتب : الجواسيس أم المنجمون أم قبائل الزولو يحكمون العالم ! (1-3)

مجدى صادق

No description available.

 

ما يحدث على الساحة السورية يفوق كل تصور ؟! فجأة تجد المواقف براجماتية بلا مقدمات وقرارت متضاربة بلا مبررات وتصعيد عسكري وتهديدات بلا أي أدلة مقنعة أو ثابتة وصراعات لاستعراض القوى ومن تكون له الهيمنة مستخدمين لغة التهديد والوعيد بالصواريخ الجميلة الذكية وهم يديرون معاركهم وعلميات التصعيد عبر التويتر ما هذا العبث الذى نعيشه الآن ؟!

كان الأديب السويسرى فرديدريش دورنيمات الذى كتب أغلب أعماله باللغة الألمانية محقا عندما قال على لسان رومولوس إمبراطور روما فى إحدى مسرحياته التى تحمل نفس الاسم : لقد ألقيت بالتاريخ من يدى كعملة رديئة !

وعندما يكتب دورنيمات، فهو يكتب فقط إلى الذين يشاركونه فى أنه من الممكن إنقاذ الإنسان من أنياب الإنسان !

تلك الأنياب التى تنهش فى جسد العالم وتمزقه إربا لبيعه قطع غيار لمن يدفع عبر صراع أزلي لمن تكون له الغلبة والقوة والهيمنة !!

وما قاله الرئيس الروسى فلاديمير بوتين عند التحاقه بأكاديمية (كى جى بى) الاستخباراتية تحت اسم شفردى هو ( بلاتوف ):إن العمل الاستخباراتى يفترض مسبقا مستوى معين من المؤامرة !

وهو قول يؤكد به ما جرى للجاسوس الروسى العميل المزدوج سكاريبال وابنته يوليا، والتى تم نقلها الآن من مستشفى سالزبورى إلى قاعدة عسكرية بعد محاولة تسميمها معا بغاز الأعصاب ( ايه 234 ) المصنع فى روسيا التى نفت كل هذه الادعاءات.

فمن يعبث بالتاريخ ( هذه العملة الرديئة ) ويعيد تدوير وتشكيل، ورسم، الجغرافيا من جديد، ثم يدير صراعا دمويا بين التاريخ والجغرافيا صراع البقاء والهيمنة (انقاذ الانسان من أنياب الانسان) فى شكل (مؤامرة) ليحكم بها العالم ؟؟!!

عندما سقطت العاصمة الفرنسية “باريس” على يد النازيين عام 1940، زار هتلر قبر نابليون بونابرت وانحنى له بكل إجلال وإحترام قائلا : عزيزى نابليون سامحنى لانى هزمت بلدك،  ولكن يجب ان تعرف ان شعبك كان مشغولا بقياس ملابس النساء، بينما شعبى كان مشغولا بقياس فوهات المدافع والبنادق !

فمن يتحكم فى إدارة هذا العالم عبر قادته إذن ؟!

هل هم الجواسيس مثلما قالوا ام المنجمون أم هم “اللهو الخفى” تلك الحكومة الخفية والتى أسميها بقبائل الزولو، على حد قول “إكيليس” إحدى شخصيات بلاط إمبراطور روما رومولوس والذي عمل وتفانى في خدمته، وهو يرى روما تنهار أمام غزوات الجرمان وإمبراطوره مشغول بهوايته فى تربية الدجاج حينما قال لرفيقه فى الخدمة “بيراموس”: تصور أن من يتحكم فى سياسات العالم أمراء الجرمان وصينيون وقبائل الزولو !!

ومن لا يعرف فإن قبائل الزولو هى واحدة من أشرس وأشهر قبائل افريقيا وأقواها اقتصاديا منذ آلاف السنين وهى تنحدر اصولها الى شعب النجونى فى افريقيا ويعتبر شاكا زولو ( 176- 1828 ) مؤسسها وقائدها الاول الذي منحها القوة ولم الشمل والبطش والشراسة حتى إن دائرة المعارف البريطانية اعتبرته ضمن أقوى القادة والسياسيين فى القارة الافريقية وقبائل الزولو تمثل قوة اقتصادية وسياسية ضاربة في جنوب أفريقيا ولها طقوسها الخاصة وبهذه الخلفية التاريخية يمكن إطلاق قبائل الزولو على ( اللهو الخفى ) أي الحكومة الخفية التي تحكم وتدير العالم بنفس المنهجية من الوحشية والبطش والقوة خاصة وهى تجمع أكبر قوة اقتصادية فى العالم. 

والجاسوسية واحدة من الأدوات والآليات المستخدمة فى إدارة وقيادة دفة سفينة هذا العالم الخفى وتمثل صناعة الجاسوسية واحدة من الصناعات الثقيلة مثلما ورد فى كتاب “لعبة الأمم”، وهو الكتاب الذي ألفه ضابط الاستخبارات الأمريكية الأشهر “ماير كوبلاند”، وكانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سى أي إيه) والتى تأسست عام 1947 بقرار من الرئيس الأمريكى واحدة من أهم من اهتم بتلك الصناعة الثقيلة والنافذة، وهى الصناعة الوحيدة فى العالم غير قابلة للتصدير !

والاستخبارات المركزية الامريكية تعمل بالتعاون والتنسيق مع جهاز ( اف بى أي ) حيث تقع أكاديمية أو مصنع صناعة الجواسيس وتدريب رجال الاستخبارات الأمريكية فى مجموعة الأبنية الضخمة فى مدينة (لانجلى) بولاية فرجينيا ويطلقون عليها إسم المزرعة أي مزرعة الجواسيس والذى يخضع فى الاختبار الاول له لاختبار (الكشف عن الكذب) لمن يلحق بهذه الاكاديمية أو المدرسة حيث يتم التحري عنه بدقة متناهية وإدخاله “حضانة” المزرعة لتعلم سرية العمل وطرق التخفى والتنكر وصيد المعلومات فى سرية متناهية وهناك قاعدة تحكم هذه السرية تقول : من يزودك بمعلومات دعهم يرحلون عنك بعيدا !!

فصناعة الجواسيس لها اصولها وسر صنعتها كثلما يقولون وهى تعتمد على مقولة (تاليران) عندما قال لمبعوثيه السياسيين الجواسيس (إياكم والحماسة) فعليك ان تكون قادرا كيف تصطاد غزالا !!

لذا خرجت الاستخبارات الروسية والتى تأسست عام 1881 تحت اسم (الشرطة السرية للقيصر) لكن فى عام 1917 تأسست المفوضية فوق العادة لمكافحة إعادة الثورة والقضاء على التخريب وقد حرصت الاستخبارات الروسية ان تتنوع مدارسها لصناعة أنواع مختلفة ومعينة من الجواسيس، فمنها مدرسة ماركس إنجلز حيث الدراسة فيها 4 أشهر ثم ينتقل الطلاب الى مدرسة لينين التقنية، حيث تضم برامج تدريب ودراسات متنوعة حول الأمن العام والعسكرية ومكافحة التجسس ومراقبة الجواسيس ومدة الدراسة عامين ونصف اذ يؤهل الخريج للعمل اما خارج أو داخل البلاد،  لكن الأهم انه يعقب هذه التدريبات مايسمى بـ الاعتقال التأديبى لمعرفة مدى قدرة وجسارة الجاسوس النفسية والجسدية حال اعتقاله من أجهزة استخبارات معادية. 

وهناك مدارس متنوعة لصناعة الجاسوس فهناك مدرسة كتايسكايا للتجسس على الصين فقط ومدرسة جاسزينا للتجسس على الدول الغربية وهى تحتوى على بارات مماثلة للطابع الغربي ويرتدى الجاسوس ملابسهم ويتعامل مع بعضهم بأسماء غربية ومثلها كافة المدارس الموجهة لدول بعينها وتقوم بحراسة مثل هذه المدارس مجموعات من القوات المسلحة على أعلى درجة من التدريب، وتأتي قصة سكاريبال وابنته يوليا ومحاولات تسميمهما لتكشف عن سجل طويل من التجسس بين الاستخبارات الروسية والبريطانية وحرب جواسيس طويلة وممتدة فيما بينهما. 

وتأتى الاستخبارات البريطانية بالمرتبة الثانية بعد الروسية والالمانية واهم فروعها ( ام أي 5 ) للمعلومات الداخلية و ( ام أي 6 ) للمعلومات الخارجية والاثنين يكملان بعضهما.

فال( ام ىى 5 ) تقوم بالتنصت على هواتف العديد من المواطنين البريطانيين بدون إذن إداري أو قضائى ومراقبة البريد والهواتف فهى من ضروريات عمل المخابرات وكذا كشف تردادات الراديو والى غبير ذلك حيث دخلت تقنيات الاتصالات والمعلومات لتسهل عمل هذه الاجهزة ولتأكيد هذا التعاون بين هذه الأجهزة معا وليس الصراع بينهما ان أخفقت ( ام أي 6 ) فى عملية الحصول على معلومات استخباراتية حول أزمة السويس إبان حكم عبد الناصر ومعها فشلت محاولة اغتياله وقام رجال المخابرات المصرية بالقبض على المجموعة بالكامل بناء على تعليمات عبد الناصر منذ البدايات المبكرة للازمة ، 

لكن على الجانب الآخر نجحت ( ام أي 5 ) فيما فشلت فيه شقيقتها ( ام آ ى 6 ) ومثلما يقول بيتر وايت الضابط السابق فى الاستخبارات البريطانية فى كتابه الشهير ( صائد الجواسيس ) وهو الكتاب الذى حاولت معه الحكومة البريطانية منع نشره : نجح جهاز ( ام أي 5 ) فى قراءة ” الشيفرة المصرية “ طوال أزمة السويس ،  إذ كان المصريون – مثلما يقول وايت فى كتابه – يستخدمون أربعة مفاتيح مختلفة للشيفرات فى كافة أنحاء العالم ومن خلال القيام بعمليات ضد السفارات المصرية فى أنحاء العالم عبر استخدام تقنية ( انفولف ) ( الاسم الرمزى ) أمكن الاستخبارات البريطانية الداخلية ( ام آى 5 ) إختراق غالبية القنوات الاخرى فيما فشلت فيه الاستخبارات الخارجية ( ام أي 6 ) !

ويأخذ الصراع بين جهازى الاستخبارات البريطانى والروسى شراسة وضراوة كما لو كان بينهم “حالة ثأر” تاريخية فيما بينهما ربما هذا الصراع من قسوته كان مادة أدبية وسينمائية وقد سجلتها عشرات الكتب والروايات ففى رواية ( جون لوكاريه ) الشهيرة عن إختراق السوفييت للهرم الأعلى فى الإستخبارات البريطانية ولو كاريه اسمه الحقيقى( دايفيد جون موركرونيل ) صاحب عشرات الروايات عن الجاسوسية والتجسس وهو مبتكر شخصية الجاسوس الغربى الظريف ( جورج سمايلى )المنخرط دوما فى معركة حامية الوطيس ضد ” كارلا ” الشخصية النقيضة والضابط فى الإستخبارات الروسية ( كى جى بى ) وجون لوكاريه أحد كبار الروائيين كان عميلا سريا حين دغدغته موهبة الأدب وقد رفض لقب ” فارس ” الممنوح له من ملكة بريطانيا عام 1931 لكن لوكاريه له رواية مهمة ربما تنبأ بها بما يحدث الآن فى عالم الجاسوسية وهى ” سمكرى ،  خياط ،  جندى . جاسوس ) هذه الرواية المهمة تحولت الى فيلم سينمائى ظهر فى 3 سبتمبر 2011 بطولة جون هرت ومارك سترونج وتونى جونز إخراج توماس الفريدسون بتكلفة مالية قدرت بـ21 مليون دولار يرصد الفيلم الصراع القائم بين جهازى الاستخبارات الروسية والبريطانية وهو ما يتفق مع ما قاله احد الكتاب على هامش أزمة الجاسوس الروسى فى بريطانيا : ان الوئام المعلن بين القوى العظمى وتوافقها على السلام والأمن العالميين ليس سوى واجهة كاذبة تخفى صراعا محتدما قوامه التجسس والرصد وجمع المعلومات ، 

فالجواسيس الآن لا يعملون بجوازات سفر دبلوماسية هكذا يقول لوكاريه فى روايته بل يتخذون مهنا مختلفة مثل السمكر أو الخياط أو الجندى أو أي مهنة اخرى مثلما يفعل جهاز الموساد الإسرائيلى والذى يعتمد من إحدى أدواته الاستخباراتية تجنيد مراسلين صحفيين أجانب أو زعماء لشبكات التهريب والاختطاف وتجار المخدرات وحتى اللصوص وهى تعتمد على عامل الجنس والمال فى اصطياد عملائها وكنت اقوم بتغطية محاكمة الجاسوس الإسرائيلى عزام عزام وقد كان عامل نسيج !! 

وجهاز الاستخبارات الإسرائيلي يضم 5 أفرع منها فرع شاى تابع للهاجاناه وهى الجيش السرى الذى أقامه المستوطنون اليهود فى فلسطين، والشين بيت وهو جهاز الامن الداخلى ،  ثم فرع عمليات بيت لتهريب المهاجرين غير الشرعيين وكان لهم دورا فى تهريب يهود الفلاشا ،  وفرع وزارة الداخلية ، ثم فرع الاستخبارات على شؤون الشرطة واخيرا جهاز يسمى شيروت بدوتو وتعنى ( خدمات الاعلام ) ويتوجب على جميع الضباط العاملين فى الموساد بشكل إلزامي إتقان اللغة العربية بلهجاتها المختلفة ، 

ويوجد كلية خاصة فى إسرائيل لتدريب الجواسيس بهدف زرع العقيدة اليهودية والأمن الإسرائيلى فيهم ويأخذ الموساد الإسرائيلى طرقا مختلفة للتجسس وصيد الجواسيس والعملاء تمشيا مع رواية لوكاريه تبدأ بزرع العميل مثلما حدث مع العميل ولفجانج لوتس الذى طلب حق اللجوء السياسى لمصر عام 1961 ،  لكنه كشف وإلقى القبض عليه علاوة على شبكات التخريب مثل شبكة الجاسوسية التى تضمنت دموش مرزوق وشموئيل عزرا فى مصر علاوة على فرق اغتيالات وكان من قياداتها رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك ،  والسرقة أحد أدوات الموساد فى تهريب الطائرات أو سرقة اليورانيوم ولها باع كبير فى هذا فإسرائيل لص نووى !

ثم تأتى العمليات الأخرى مثل زرع المخدرات وتهريبه والمواد المخدرة الأخرى مثل الهيروين والكوكايين لتدمير شباب الدول المستهدفة وشبكات التهريب والخطف وكلها وسائل تتقنها الموساد الإسرائيلي خاصة وان الجنس والمال أدواتهم الرئيسية الفعالة لإسقاط العملاء وصيد الجواسيس وقد قال لى الجاسوس المصرى المزدوج احمد الهوان رحمه الله : كان ضباط الموساد يعرضون عليه كل ليلة كاتالوج به النساء بأشكالها المختلفة وألوانها على ان يختار منها واحدة كل ليلة أخرى وقال لى أيضا حرصت ان أظهر لهم حبى للجنس والمال فهما كلمتا السر فى استمرار مهمتى !

لذا تجنيد المجندات الإسرائيليات من اولويات الموساد فهن ادوات للنجاح فيما يفشل فيه رجال الموساد وتبقى علاقة الموساد مع المخابرات التركية ومركز الأمن التركى القومى مايطلق عليهم مثلث الشر أو المثلث الرهيب والشئ المشترك بيتهم هو إستخدام النساء والمال !

وتأتى الاستخبارات الألمانية التى تأسست عام 1945 والألمان اكثر الشعوب التى اهتمت بالجاسوسية وهى تتكون من مؤسسة للاستخبارات الداخلية والخارجية والعسكرية ذات مهام متشعبة وهى تابعة لوزارة الدفاع وقد وضعوا لهذه المؤسسات النظم والقوانين واللوائح وأصبحت علما يتميز بالدقة المتناهية وتعمل الاستخبارات الألمانية للتخلص من الفاشلين من الجواسيس والعملاء بإرسالهم فى مهمات تضمن منها التخلص منهم بالقبض عليهم واعدامهم ويطلق على الجاسوس الفاشل (الغبى) والألمان عندما يجندون الجواسيس يدرسون طباعهم وميولهم وسماتهم الشخصية والنفسية بل والفسيولوجية ويدربونهم على فن الجاسوسية وأساليبها التى عددها الجاسوس الألمانى (كران بى) وأهمها الإستفادة من الشمس فى السير نهارا وكيفية الاستفادة من هبوب الريح وحركة الأشجار والأغصان فى السير ليلا وهو مايعنى سياسيا الإستفادة من الأزمات والزعابيب السياسية والتظاهرات والثورات وهو ما حدث إبان ثورة 25 يناير، حيث عج ميدان التحرير وما حولها من أماكن وفنادق بعملاء أجهزة استخباراتية سواء القطرية أو الامريكية أو الإسرائيلية أو الإيرانية والتركية وغيرها وغيرها احتلت فنادق رمسيس هيلتون والنيل وغيرها تحت إسم مراسلين أجانب وامتلأ الميدان بالخيام التى امتلأت بفتيات جندن وهناك من قام بتوزيع بطاطين وأغذية بتمويلات استخباراتية فالعملاء يوظفون كيف يستفيدون من هبوب الرياح وحركة الاشجار والاغصان فى السير ليلا بين خيام الميدان !!

هذا هو العالم الغريب والذى نحاول فيه مثلما قال دورنيمات ان نعقد صداقة معه أو قرابة لكنه يظل عالم غريب ولأنه عالم غريب فهو مخيف وفوضوى الى درجة الضحك !!

فلتضحكوا معنا يا أصدقائى على خيبة الإنسانية !!

مقال نشر للكاتب فى 12 ابريل 1918 على موقع صدى البلد الاخبارى

Show More
Back to top button
error: Content is Protected :)